النواب يرفضون...
النواب يرفضون مرحلة انتقالية رابعة، لا يكون
أساسها دستور دائم.
الدستور هو الميثاق الوطني أو عقد شراكة اجتماعي
سياسي، يحتاج إلى قوة تحميه حتى يقام ويعمل به على أرض الواقع.
من الملاحظ أن أغلب الدول الاستبدادية والتي
يحكمها طغاة بها دستور دائم مثل الصين وروسيا ومصر.
ولكن السادة النواب يظنون بأن الدستور الدائم،
يضمن لهم دولة ديمقراطية يسودها، تداول سلمي على السلطة، وحرية التعبير، وهذا فهم
قاصر ينم على سذاجة سياسية.
ولكن السؤال المهم هو... من يحمي الدستور ويضمن
تطبيقه على الواقع؟!
1.
يقول البعض المؤسسة العسكرية متمثلة في الجيش والشرطة وما يتبعها من
أجهزة أمنية. وهذا خطأ قاتل يؤدي في الغالب إلى انقلاب عسكري _كما تعلمنا من تاريخ
الانقلابات في العالم_ لأن العسكر من طبعهم متسلطين، تغريهم السلطة التي يحمونها،
وبالتالي يختطفونها بحكم التغلب والتسلط.
2.
آخرين يعتبرون النخبة متمثلة في المثقفين ومجتمع مدني ورؤوس أموال. هم من
يحمي الدستور، ولكن هذه النخبة بصفة عامة وعلى وجه العموم لا الخصوص يتميز اغلبها
وليس كلها بالجبن، فهي تؤثر السلامة ولا تحب المغامر والمعارك التي تفقدها
امتيازاتها، وهي في الغالب تنحاز لمن غلب.
3.
يُقال الشعب وحده هو الجدير والمخول بحماية الدستور. وهذا الكلام صحيح
إلى حد ما... إلا أن الشعب لا يملك أدوات حماية دستوره وحقوقه غير الاحتجاجات
والإضرابات والاعتصامات والمظاهرات، وهذا كله مشْروع إلا أنه قد يؤدي إلى فوضى
وبمعنى أدق إلى ثورة، تفقد الدستور مشروعيته وتؤول الشرعية إلى الشرعية الثورية.
وهذا ما يحتاج إلى عدة سنوات حتى تهدى الأمور وتستقر وترجع إلى سابق عهدها.
أذن من يحمي الدستور؟!
الدستور يحميه جميع من ذكر في السابق، بقيام كل
منهم بدوره فقط دون التعدي على دور غيره.
فالعسكر عليه حماية الشعب والنخبة، حسب دورهم
المكلفين به دون تجاوز الى أدوار أخرى أو القفز على أدوار ليس دورهم، حسب الميثاق
أو العقد مبرم بينهم وبين أفراد الشعب، لذلك يجب تصويت كل أفراد الشعب على إقرار
مسودة الدستور، بما في ذلك العسكر من افراد جيش وشرطة وأجهزة أمنية. أما النخبة
فعليها توعية العسكر والشعب في كل مجالات الحياة، ومن بينها أهمية الدستور وكيفية
الحفاظ عليه وحمايته، والابتعاد عن الانهزامية والجبن والانتهازية والتسلل خلف
خطوط الدفاع لتسجيل هدف غير شرعي. أما باقي فئات الشعب، عليها دائما الانتباه جيدا
للعسكر والنخبة "فليس كل قوة قاتلة وليس كل كلام منمق منجي يراد به الخير"
وعلى الشعب أن يتعلم ويثقف نفسه، وأن يأخذ دوره بكل وعي وجد وقوة لحماية دستوره
وحقوقه، وبأن يدافع عن حقوقه بوعي باستعمال حق الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات
والمظاهرات في حدود ما يسمح به الدستور والقانون، دون الوقوع في براثن الفوضى (الثورة)
وانهيار الدولة.
وأخيراً لنحلل الوضع في ليبيا، كي نتبين هل
الدستور يؤسس دولة مستقرة أم الدولة المستقرة تؤسس دستور؟!
أولاً: العسكر: في بلادي لا توجد مؤسسة عسكرية
موحدة أو تراتبية عسكرية واضحة، فالجيش منقسم على نفسه وأصبح متعدد الولاءات وليس
له عقيدة عسكرية واضحة، أما الشرطة فلا حول لها ولا قوة وبالكاد تعمل بخُمس طاقتها
أي 20% من طاقتها، ولا تمتلك القوة التي تحمي بها المواطن. والأجهزة الأمنية
الداخلية لا تكاد تعمل أو تجمع معلومات أو حتى تداوم.
ثانياً: النخبة: تكاد تكون النخبة في بلادي
سطحية، "وكلٌ يغني على ليلاه" فالتضاغن والتباغض والتشاحن والحسد، هي
سمتهم الغالبة عليهم إلا ما رحم ربي، فلا مجتمع مدني قوي يحمي استحقاقات ومستحقات
المجتمع، ولا رؤوس أموال تحمي الاقتصاد الوطني وترحم الضعيف وتنقذ الملهوف ذو
الحاجة، ولا مثقفين واعين لدورهم الخطير وفي الغالب تجدهم يهرفون بما لا يعرفون.
ثالثاً: الشعب: للأسف في بلادي الأكثرية من
الشعب غير واعية غير مدركة، حائرة فيما بين خيارتها لا يعلمون ماذا يريدون، ليس
لديهم قرار في أي شيء، ولا يملكون قرارهم، تقودهم عواطفهم للحكم على الأمور، فيسهل
انقيادهم والتلاعب بهم، لذلك يؤثر عليهم الاعلام تأثير بالغ ويتلاعب بهم العسكر
والنخبة، فتراهم تارة يصدقون الكذب ويكذبون الصدق، وتارة أخرى تراهم يعيشون ما بين
الحقيقة والخيال، وقد يئسوا من كل شيء وأي شيء حتى أنهم يقسمون بالله العظيم بأنه
"لن تقوم قائمة لليبيا بعد اليوم" لذلك تجد فئة من الشعب تنحاز بالمطلق
للعسكر دون وعي أو أدراك، وفئة أخرى تنحاز للنخبة تتملقها وتتمسح بها، وفئة ثالثة
كل أمالها في القوى الإقليمية والدولية، وفئة رابعة حائرة لا تدري الى من تنحاز
فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
أذن في ظل ما سبق، نجد أن العملية متكاملة ومعقدة
ومركبة تتداخل مع بعضها البعض، فإقامة دستور دائم يحترمه جميع فئات الشعب، يحتاج
إلى عسكر ونخبة وشعب واعين بمهامهم وأدوارهم، يدافعون على حقوقهم ملتزمين بوجباتهم
دون تعدي أحدهم على الاخر، بعيداً عن المصالح الوقتية الضيقة والانانية
والانتهازية. هذا ما يؤسس على المدى الطويل لدولة حرة مستقرة، تملك إرادتها وقراراتها،
لا فيها مظلوم ولا مغبون أساسها العدل ... والعدل فقط.
محمد بن علي الغناي