حَتَّي
إِذَا اسْتيْئَسَ
مَرَيَمْ
مُحَمَدْ الغَنَاي
كان
هناك رجل طاعن في السن وقد استطاع الزمن أن يضع علية بصماته فقد امتلأ وجهه بالتجاعيد
وقد أصبح شعرة رمادي بالكامل ولكنه مازال يحافظ على نظارة وجهه وصحة جسده، كان يجلس
في القدس الشريف وقد كان جالسا وأمامه القران الكريم، ويتلو سورة يس.
فقاطعة
ولد صغير يبدو في السن العاشرة بني الشعر وعيناه زرقاوين ذو بشرة قمحيه قال الولد
"جدي جدي الم تسمع القدس أصبحت إسرائيلية لا يحق لنا الجلوس هنا" نظر
إلية الرجل الطاعن في السن بوجه بشوش مبتسم في كل حين كعادته فقال له وهو يبتسم
"اجلس أولا يا ولدي".
جلس
الصبي القرفصاء متكئاً على ذراعه اليسرى فرد الجد مصطفي" يا محمد أن هذا ليس
صحيح فالقدس مازالت عربية ومدُمنا مازلنا نسكن فيها فأنها مازالت عربية"
قال
محمد "ولكن يا جدي قال ترمب أنها أصبحت عاصمه لإسرائيل وانهم سيباشرون في
بناء السفارة الأمريكية بمدينة القدس" فقال الجد مصطفي وهو مازال يحافظ على
ابتسامته المشرقة "يأبني لو قال ترمب أن ننسي والدك الشهيد رحمه الله وننسى أخاك
ذو الـ15 ربيعا المسجون ظلما وجدك المريض الذي ليس معه مالاً للعلاج وامك التي لا
تعلم كيف ستوفر تكاليف دراستك واختك التي تزوجت وتغربت بسبب نفي زوجها العزيز وأنت
الذي رشقت الضباط الإسرائيليين بالحجارة واستنشقت الغاز هل ستنسي يا ولدي أوانك
ستتوقف عن النضال؟!"
نظر
محمد للجد بحزن وخيبة امل فقد تذكر كل ألامه وأوجاعه وترقرقت عيناه بالدموع وقال
"صحيح يا جدي ولكن نحن الفلسطينيون لم يقف معنا أحد ولم يدعمنا أو يتحرك أي
جيش لمساعدتنا لتحريرنا فلقد عشنا أياما وشهورا وسنوات تحت وطأة الاحتلال الظالم _
بدا محمد بالبكاء_ ظالم لا يرحم شيخا أو طفلا أو أمراءه ولا مريضا ولا معافا"....
قاطعة الجد وقد بداء بتلاوة بعض الآيات من صورت يس "يس )1( وَالقُرْآنِ الحَكِيمِ )2( إِنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ )3( عَلَي صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )4(
تَنزِيلَ العَزِيزِ الرَّحِيمِ.... وأكمل التلاوة بوجه المشرق إلى أن أحس أن محمد
قد هداء روعة فقال الجد "هل رأيت يا محمد القرآن قلل من حزنك وأنه سيقلل من
الظلم فلا تخف فأن الله لا يحب الظلم ولا الظالمين وأنه أيضا وعد بنصر كل
مظلوم".
قاطعه
محمد وهو يقول "ولكن يا جدي ألا تعتقد أن الله قد تأخر بتنفيذ وعده أم نحن
ظالمون _قالها بوجه يدل على كل دلالات الحيرة_ فضحك الجد بصوت مرتفع وقال "كلا
يأبني فحن أن شاء الله لسنا بظالمين ولكن سبب تأخر الله هو امتحان صبرنا أولاً
وثانياً لأنه لم يولد أو يكبر بعد الذي سيقود قارب فلسطين برفقة القدس إلى بر الأمان".
تحمس
محمد وقال" وكيف هي مواصفات ذلك الرجل"
قال
الجد بابتسامه "سيكون رجلٌ لا ذكر"
جلس
محمد وربع قدميه وقال بفضول شديد "جدي مصطفي ما الفرق"
قال
الجد "هناك فرق فالرجل يحب كل من حوله بإخلاص ولا يخون أحد وان لا يكذب أبداً
_اغلق الجد مصحفه وأعطاه لمحمد وهو يقول_ وأن يكون مرتبط بالله عز وجل وأن لا ولا
يهجر القران ويتبع تعاليمه"
فقال
محمد "أعدك يا جد أن أكون رجل لا ذكر وأن أحرر في يومٍ ما فلسطين مهما طال
الزمن"
وضع
الجد يده علي راس سبطةِ وقال "وعدني أنك ستهتم بابنتي ألا وهي والدتك وكلا من
شقيقتك وزجها وشقيقك وجدك الأخر وأنك ستعيش حياتك مبتسما مهما واجهت من صعاب".
قال
محمد بنشاط مبالغ به وبابتسامة مشرقة "أعدك أعدك أعدك" قال الجد
"أقسم ولا تنسي قسمك فقد قسمت في القدس الشريف"
فقال
محمد وهو مازال على نشاطه "أقسم _وقد صرخ بأقصى ما يملك_ أسمعي يا قدس لقد قسمت
اليوم على حمايتك وحماية أسرتي وكل ما أملك وعلى حماية بلدي ووطني فتذكري هذا سآتي
يوماً وأقول لك لقد وفيت بوعدي...وفيت بوعدي... _خفت صوته وقال_ وفيت بوعدي...وفيت
بوعدي _ولكن الكلمات الأخيرة لم يقلها محمد ذو 10 سنوات وإنما قالها رجل قد غزى
الشيب معظم راسة ولكن ليس طاعن في السن.
كان
يرتدي بزة سوداء وكأنها تدل على سنوات الظلم وربطة عنق حمراء تدل على دما الشهداء
الذي كان والده وشقيقه جزء منهم وقميص أبيض كدليل على السلام وعلم فلسطين على قلبه
وقد امسك بحقيبة سوداء بيده يحمل بها أخر تذكار له من جده المتوفي وأوراق رسمية
للمفوضات التي أتت بعد أن جعلت إسرائيل تتعرض للعديد من الخسائر.
خطى
بخطوات متثاقلة وجلس،... لقد جلس بأخر مكان التقاء به جده. نفس المكان الذي قرر
فيه بأنه سيحرر فلسطين المكان الذي عرف فيه الفرق بين الرجل والذكر المكان الذي حصل
فيه على أخر تذكار من جدة.
فتح
حقيبته واخرج منها مصحف قديم فتحه عشوائيا وقد فُتح علي سورة يس حينها تذكر كيف أن
جده قرأ له منها ليهدأ، حينها جلس يتلو منها ما تيسر وهو يتذكر أخر حوار بينه وبين
جده مصطفي.
...نعم
فان الجد قد توفي وهو مازال جالسنا في الأقصى (القدس) الشريف حيث ما تمنى أن يموت.
ترقرقت
عينا محمد الكبير وهو يتذكر جده وبعد برهه أذرف الدموع ولكنه أذرفها وهو يبتسم
وقال بهمس "مرحبا أيتها القدس ها أنا ذا قد أوفيت بوعدي وتحررتي ولكني وللأسف
لم أستطع حماية أخي فقد استشهد ولم أستطع توفير الدواء لجدي فلقد كنت صغيراً ولم
أستطع العمل وأما باقي أفراد العائلة فهم على ما يرام"
ثم باشر
محمد بتلاوة يس ولكن قاطعة جندي وقال "سيدي الرئيس أن وسائل الأعلام يطلبون بإجراء
لقاء معك وان أبنائك وزوجتك وباقي أفراد أسرتك بانتظارك في الخارج"
ابتسم محمد الطفل الرجل وقال الأول "جدي أنا
ذاهب لمساعدة أمي وأدرس" أما الأخير فقال "ها نحن ذا نعود للعمل"
من
الممكن أن يبدو هذا الحلم مستحيل وبعيد ولكن بالمثابرة والإصرار والأمل سيتحقق... أن
محمد واجه بعد موت جده العديد من المحن والعديد مِن مَن استخف برجولته الصغيرة ولكنه
كبر وحقق كل متمناه هو وكل العرب والمسلمون.
أنها
قصة من نسج خيالي ولكني واثقة كل الثقة أن القدس ستعود عربية يوما وان فلسطين
ستوعد لأهلها بلا ريب ولكن كما قال اللهُ تعالى )إِنَّ
اللهِ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ(.
**النهاية**