المؤتمر الوطني:
أولاً: لكم كنت ومازلت أتمنى
بأن لا نكون أسرى لآبائنا وبأن لا نعيش في جلباب آبائنا وأن نحرر عقولنا ونخرج من عباءتهم.
ولكم تمنيت أن ننتهج نهج
القرآن الكريم ولا نخطو خطى آبائنا دون تفكير أو تمعن أو دراسة، ونقول هذا ما ألفنا
عليه آبائنا وأجدادنا حيث قال الله تعالى
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ
كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة:170)
أو كما قال (وَكَذَلِكَ
مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا
إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)
(الزخرف:23).
كما أتمنى بأن لا نكون إمعة
فنقلد الآخرين دون تفكير أو تدبير ونقول هكذا يفعل الناس لنفعل مثلهم، ليس ذلك من شيم
المسلم المؤمن بالله ورسوله.
ولكم تمنيت أن نستسقي ونشرب
العلم من منبعه ونبتعد عن أخذ العلم المنقول من ناقل لا يعلم ولا يفقه شيئا وأن
نأخذه من مصدره طالما المنبع مازال موجود ومتوفر.
تصور معي نحن في ليبيا النفط
والثروة نتعلم العلوم من الناقل، ونحن سندفع المال في كلا الحالتين سواء أخذنا العلم
من الناقل أو المصدر، غير أن الناقل يتعلم العلوم بأموالنا من مصدره الرئيسي، مستفيد
عدة مزايا منها على سبيل المثل لا الحصر اللغة.
ثانياً: وعلى هذا المنوال
لا أتمنى أن يكون الأخوة في المجلس الوطني الانتقالي قد نقلوا لنا تجربة مصر في تأسيس
المؤتمر الوطني، أي بمثل ما تم به تأسيس البرلمان المصري، وتركوا كل التجارب الأخرى
الناجحة.
لاحظوا معي هنا... تم بناء
البرلمان المصري على الأغلبية ليؤسس لجنة تأسيسية دستورية تعد الدستور وكانت مهمة هذا
البرلمان أو سميه ما شئت (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ)
تتمثل في الآتي.
1. اختيار لجنة توافقية تأسيسية من خارج أعضاء البرلمان
لأعداد مشروع الدستور.
2. سن القوانين والتشريعات. (وضيفة البرلمان وضيفة
تشريعية فقط).
3. تشكيل حكومة. (وهذا أُختلف عليه مع المجلس العسكري).
وبسبب التنازع ما بين الأغلبية
المتمثلة في التيار الإسلامي والمجلس العسكري والأقلية. لم يحقق هذا البرلمان شيء،
وبسبب نزعة وأنانية الأغلبية الغالبة لم يتم تأسيس اللجنة التوافقية لأعداد الدستور
وقام البرلمان بسن تشريعات تخدم أغلبيته وأيديولوجيته، وخوفاً من تشدد التيار الإسلامي
منع المجلس العسكري البرلمان من تشكيل الحكومة، وأبقى على حكومة الجنزوري حتى لا يهيمن
الإخوان على جميع مفاصل الدولة.
وبإمعان النظر نجد أن المؤتمر
الوطني الليبي على ما أعتقد سيقوم بنفس المهام والوظائف التي قام بها البرلمان المصري
تقريباً (تقليد أعمى)، وهو تشكيل لجنة الستين (لجنة أعداد الدستور) وسن التشريعات وتشكيل
الحكومة.
وبشكل ما ستتشكل أغلبية
في المؤتمر الوطني بسبب طريقة توزيع المقاعد وقد لا تكون الأغلبية واضحة في الوقت الحالي
ولكنها ستتشكل عندما يعقد المؤتمر أول جلساته وتبدأ التكتلات والتحالفات من المستقلين
بالذات، مع العلم أن بعض قياداتنا السياسية المعروفة والمشهورة، يعملون على ذلك منذ
الآن ليشكلوا أغلبية بالمؤتمر.
وهنا الطامة الكبرى فالمؤتمر
الوطني وببساطة هو على غرار البرلمان المصري، ولعلكم فهمتم الآن سبب مقدمة هذا المقال،
فمن وضع أساس المؤتمر الوطني نسج على نفس أساس البرلمان المصري وبذلك يكون قد قلد بدون
تدقيق فيما يقلد.
ولو ضننا بأن ما حدث للبرلمان
المصري من فشل وتنازع _ برغم ما لديه من فلاسفة وعلماء وخبراء وفنيين وجيش قوي مازال
يضبط الإيقاع ولم يتفكك _ هو نفسه ما نتوقعه سيحدث لنا على ضوء التشابه القريب جداَ
ما بين البرلمان المصري والمؤتمر الوطني لوجدنا (وهذا ما لا نتمناه) أن الصورة قاتمة
(لا قدر الله) والفشل قريب (لا سامح الله) ونحن ليس لدينا جيش أو أمن قوي يضبط الإيقاع
ويلجم النزاع ويحل البرلمان وما لدينا ماهي إلا مجموعات من الثوار الأبطال والكتائب.
والسؤال هنا من سيقوم بحل
المؤتمر الوطني حينما يحدث مالا نرجوه من عدم التوافق فيما بين المؤتمرين وتقوم الأغلبية
بفرض أيديولوجيتها وأفكارها وتشريعاتها على الأقلية التي لا حول لها ولا قوة إلا أن
تعارض ثم تستجيب مرغمة للأغلبية حسب مقتضيات اللعبة الديمقراطية، ونحن ليس لدينا رئيس
أو مجلس عسكري يقرر حل المؤتمر الوطني أو يساعد في تأسيس اللجنة الدستورية، فرئيس المؤتمر
ورئيس الحكومة ستنصبهما الأغلبية واللجنة الدستورية لأعداد الدستور ستشكلها الأغلبية.
فهل هذه المرحلة مرحلة الأغلبية
أم مرحلة التوافق؟!!.
لذلك كله كم تمنيت أن يؤسس
المؤتمر الوطني على أساس التوافق بتوزيع الكراسي بالتساوي وليس على أساس الكثافة العددية
للسكان وما كان لرئيس المجلس الانتقالي المحترم وغيره من رجال الدولة أن يقولوا "نعلم
أن توزيع المقاعد ظالم ولكن".
وأخيراً أقول ما حدث قد
حدث والخيرة فيما أختارها الله وأتمنى من كل قلبي بأن لا يحدث لنا ما حدث للمصرين والبرلمان
المصري من تنازع. نسأل الله السلامة. كما أتمنى أن يكون مقالي هذا تحذيري وليس تشاؤمي،
وبرغم الأخطاء والتباين إلا أننا سنقف بقوة وصلابة وثبات مع ما اختارته دولتنا ليبيا
الغالية الحبيبة وسنؤيد بكل قوة وشدة الانتخابات والمؤتمر الوطني لبناء الدولة المتقدمة
المتحضرة والله ولي التوفيق.
والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد بن علي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق