بسم الله الرحمن الرحيم
الدستور (الميثاق)
بعد أربع عقود من الضلالة والجهل والتيه، وبعد عدة أشهر من الكفاح والدم والشهداء، وبعد الانتصارات الباهرة لشعبنا الحبيب، وبعد تمجيد الشهداء والترحم على الأحياء وطلب الشفاء العاجل للجرحى وتمنياتنا بالعودة للمفقودين، حق لنا الآن أن نفكر بمستقبل باهرة في دولة تضمنا بالحب والازدهار.
دولة نعرف فيها واجباتنا وحقوقنا في ضل دستور وقانون وإجراءات واضحة لا لبس فيها، لذلك أود أن أقدم بعض ما أعرفه عن الدستور باختصار.
الدستور : هو الميثاق أو العقد أو العهد لتنظم وتوضيح العلاقة ما بين الحاكم والمحكوم، وبيان الحقوق والوجبات لكل منها دون لبس، وهي مصاغة في مواد واضحة لا تحتاج إلي تأويل.
من ذلك لا يمكن القول بأن الدستور هو القانون أو أبو القوانين، ولكن يمكن أن نضرب مثال نقرب به الصور للقارئ الكريم كما يلي:-
1) عندما يعتزم الشاب في تكوين مؤسسة أو شركة أي بمعنى أسرة، لن تتكون هذه المؤسسة الجديد (الدولة) إلا بعقد الزواج أو عقد قرآن، وهو ما قال عنه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم "(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً)(النساء:21)" هذا الميثاق مقسم إلي مواد تبين الحقوق والواجبات، وتوضح وتنظم العلاقة ما بين الزوج والزوجة، لذلك لا يمكن أن نطلق على عقد الزواج قانون، وإنما هو عقد زواج ينظمه تشريع ديني أو قانون وضعي.
2) عندما تجتمع مجموعة من رؤوس الأموال لبناء أو تأسيس شركة (منظمة)، يقومون بأول خطوة لهم بعد الاتفاق المبدئي بإبرام عقد تأسيس، يضمن ويبين الحقوق والواجبات ويوضح وينظم العلاقات، وكل ذلك مدون ومصاغ في مواد، مثل رأس مال الشركة... وهدف وتخصص الشركة... ومفوض الشركة... ومقدار ما يملك كل مالك أو مساهم من أسهم ....إلخ بذلك تؤسس الشركة ويصبح لها عقد يرجع إليه فالعقد شريعة المتعاقدين.
لذاك كانت المواد مختصرة في الدساتير، ويتم تفصيلها وتنظيمها بقوانين بما يتفق مع المواد ولا يعطلها أو يخالفها فالدساتير بصفة عامة أو في أغلبها تنص على حرية الرأي والتعبير، وحرية تبادل المعلومات بجمل مختصرة ومقتضبة تكون هي المبدأ والميثاق والعهد بين الحاكم والمحكوم، هذا المبدأ مثلاً (حرية الرأي والتعبير) يتم تفصيلها وتنظميها بقوانين لا تخالف أو تقيد المبدأ، فمثلاً يصدر قانون، "بناءً على الحق الدستوري للمواطن في حرية الرأي والتعبير، يعرض نفسه للمسائلة القانونية كل من يخرج عن الآداب والأخلاق العامة"، وهذا مثال لتوضيح فقط
والآن ربما فهمنا لماذا كان الطاغية لا يرضى بالدستور ويحاربه، لأنه ميثاق وعهد بينه وبين الشعب، مما يجعل منه ملزم ومقيد ومحكوم كموظف يعمل عند الشعب الحاكم السيد، لكن الطاغية ظن بأنه يملك ليبيا وما عليها، فلو تصورنا بأن لدينا دستور به مادة تمنع أقارب الرئيس حتى الدرجة الرابعة مثلاً، وأقارب المسئولين في المناصب العليا الرفيعة حتى الدرجة الثالثة مثلاً، من تقلد مناصب أو وظائف في الدولة، فما كان يستطيع الطاغية القذافي والخويلدي وعبد الله السنوسي وغيرهم من تنصيب أبنائهم وأقاربهم كرؤساء وأمراء كتائب، وما كان للسنوسي من أن يمسك منصب أيضاً، ولكان قد صرف لهم رواتب مناسبة وهم في بيوتهم.
وهنا نلاحظ في ثورة ليبيا واليمن وسوريا بأن الجيش أو الكتائب انحازت للرئيس، فقتلت الشعب لأن أبنائهم وإخوانهم وأقاربهم أمراء وقادة في الجيش، على عكس ما حدث في تونس ومصر فأبناء مبارك أو الزين، لم يكونوا بالجيش.
هذا مثال على مادة واحدة من مواد الدستور، وما لها من فائدة في تحديد وتنظيم صلاحيات الرئيس، فما بالك بباقي مواد الدستور وقد وضعت بعناية فائقة من قبل خبراء دستوريين، لتنظيم وتوضيح الحقوق والواجبات.
ولكن مما يكتسب الدستور مشروعيته، ونحن نعلم بأن الميثاق يحتاج إلي موافقة طرفين أو أكثر ليصبح شرعي، وكذلك الدستور يصبح شرعي بعد استفتاء الشعب عليه كطرف أول وثاني وبموافقة الشعب، يصبح شرعي ويعمل به، وعندما يتقدم أحد أفراد الشعب ليرشح نفسه كرئيس لخدمة الشعب على مبدأ "سيد القوم خادمهم"، يصبح طرف ثاني كحاكم، والشعب طرف أول كمحكوم.
لذلك نطلب من الذين تعهد إليهم مهمة أعداد وصياغة الدستور، وهي لا شك مهمة صعبة وخطيرة، أن يكونوا حكماء وأصحاب بال طويل، وبأن يدرسوا دساتير الديمقراطيات الناجحة، للاسترشاد بها.. والتعلم منها.. وأخذ ما يتلاءم معنا ولا يتعارض مع شرعنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد بن علي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق